!مسلسل فوضى / تشويه الحكاية

!تشويه الحكاية

 "إن الصراع على الأرض يصبح صراعًا على الحكاية، فالعدو لا يسمح للضعيف بأن يكون مظلومًا، العدو يأذن له أن يكون مخطئًا فقط، ناقصًا فقط.. ويستحق الألم لأنه يجلبه لنفسه لا نتيجة سلوك العدو"-مريد البرغوثي



 .تجسّدت هذه المعاني كلّها في مسلسل فوضى الإسرائيلي📌

حيث يسرد كل من الصحفي الإسرائيلي "آفي يسخاروف" بالاشتراك مع الممثل الإسرائيلي "ليئور راز" والذّي جسّد دور البطولة بنفسه، حكاية الصراع الفلسطيني مع "وحدات المستعربين"، دون أن يتطرق لبداية الصراع، لنرى الأحداث تبدأ من المنتصف، فالفلسطينيون والإسرائيليون من وجهة نظر "فوضى"، موجودون في فلسطين منذ البداية ويتصارعون صراعًا عبثيًا بسبب الكراهية والعنصرية، فالطرفان ضحايا لهذه المعركة الخاسرة. ولا وجود لجدار فاصل، ولا هدم للمنازل، ونقاط تفتيش قليلة.

وتتكرر فكرة "إنسانية جيش الاحتلال" مرارًا، فنراهم يرددون "إسرائيل دولة مدنية" للإشارة بأن ما يحدث من عمليات خطف أو تعذيب للفلسطينيين، هي عمليات فردية لا تتبناها الدولة
.









تشويه لصورة المرأة الفلسطينية*



بطلات مسلسل "فوضى" الإسرائيلي
لم يكتف المسلسل ببداية مجتزأة، ينقصها "جوهر الصراع" المتمثل في توضيح بداياته التاريخية، أو على الأقل الإشارة إليه.
فنرى في المسلسل:
)أم توفيق حامد، أم نضال عوض الله، آمال، نسرين، د.شيرين العبد، مروة(

الشخصيات الّتي مثّلت أدوار المرأة الفلسطينية، يجمعها رغم اختلافها  دور "الضحية".. فهنّ دائمًا ضحايا لانتماءات أزواجهن أو أبنائهن السياسية، ضحايا المجتمع، أوالحظ .. لكنّهنّ بالتأكيد ليسوا ضحايا لإجرام الاحتلال الصهيوني، الموجود دائمًا على 
الضفة الأخرى ليمد لهنّ يد العون وينتشلهنّ من ذلك البؤس!

فنرى "أم توفيق" تخسر ابنها الأصغر ليلة عرسه إذ يقتل على يد "وحدة المستعربين"، بسبب انتماء ابنها الآخر لحركة المقاومة، وسوء تصرفه.
و"أم نضال" -زوجة أحد مؤسسي حركة المقاومة- تخسر زوجها بسبب تضحية الحركة به، وتخسر ابنها الأصغر بسبب طيش أخيه وسعيّه الأعمى للانتقام، فنراه يموت في خضم اشتباك مسلّح برصاص أخيه الأناني لا برصاص الاحتلال!
ثم تخسر ابنها الأكبر الّذي ينتمي بدوره لتنظيم "داعش الإرهابي" نتيجة امتناع حركة المقاومة عن دعمه ماديًا لينتقم لوالده.

ونرى الزوجات "مروة، نسرين، آمال" يعانون من حياة لم يخترنها وفُرضت عليهن، نتيجة توجهات أزواجهن السياسية، ليعكسوا انطباعًا يظهر المرأة الفلسطينية "هشّة" وليست صاحبة قرار، ويمكنها ببساطة أن تخون زوجها أو قضيتها مقابل "حياة هادئة" أو "سفرة للخارج" يقدّمها لهن الاحتلال!.

أما "د.شيرين" الطبيبة الفلسطينية التي أتت من الخارج، ليقحمها ابن عمّها -وهو أيضًا عضو في حركة المقاومة- في عملية غير أخلاقية لزرع قنبلة في معدة أسير صهيوني!
.
لتقع بعد ذلك في حب "مستعرب صهيوني" وتبدي استعدادها للتعاون معه وتسليم زوجها له، هربًا من تهديدات المقاومة لها بالقتل.

فقد يرى المشاهد نفسه متعاطفًا مع رواية الاحتلال المجتزأة، الّتي تغاضت عن الرواية الّتي طالما سطّرتها تضحيات المرأة الفلسطينية (الأم، والزوجة، والابنة، والأخت) بصبرهن وعطائهن وثباتهن ثبات الرواسي!.


ما الذي يميّز "فوضى" عن غيره من الأعمال؟*


حصل المسلسل على نسب مشاهدات عالية، وعدّة جوائز، مما جعل شركة "NetFlix" العالمية تشتري جزأه الثاني وتنتج الثالث حاليًا.



ومن نقاط قوّة المسلسل الملفتة للنظر، بأنه يدّعي الحياد والعرض المتوازن للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ويتحدث أبطاله اللهجة الفلسطينية بطلاقة، فيصعب على المشاهد أن يلاحظ التحيّز دون أن يكون على مستوى جيّد من المعرفة ببداية الصراع، أو تحليل للشخصيات في سياقها الدرامي ومقارنتها بما يحدث في الحقيقة.ومن الممكن أن نرى أنفسنا خاصة نحن الجيل الّذي لم يشهد الصراع الفلسطيني منذ بدايته، متأثرين بالرواية الإسرائيلية للحكاية، خاصة وأن المسلسل قد صوّر الشخصيات الفلسطينية كلّها ابتداءً بالرجال والنساء وانتهاءً بالأطفال، شخصيات مشوّهة في مجتمع متفكك يعيش صراعًا مع دولة مدنية إنسانية تلعب دور الدفاع .

ومن الجدير بالذكر بأن كلا الكاتبين "يسخاروف" و "راز" كانا قد خدما معًا في الجيش الإسرائيلي خلال فترة الانتفاضة الثانية.





رأي بعض الأشخاص بالمسلسل.



كاتبا المسلسل آفي اسخاروف وليئور راز مع جنود إسرائيليين خلال مشاركتهم بحفل لاصدقاء جيش "الدفاع" الاسرائيلي

كيف يمكننا الرد على تشويه الحكاية؟*
"نريد أن نبين كيف يعيشون [الفلسطينيون وعائلاتهم] وأن نعرض تجاربهم الحياتية والثمن الذي يدفعونه بسبب أعمالهم. أعتقد أننا نفتح أمام الجمهور الإسرائيلي نافذة ليروا كيف يعيش الناس هناك
-ليئور راز/ بطل المسلسل.

تكمن قوّة الأعمال الدرامية في أنها تقوم بعملية "المحاكاة"، فهي التعبير الفنّي عن الحياة بتفاعلاتها ومشكلاتها، وأفراحها وأتراحها
وأبدع "مسلسل فوضى" في محاكاة الصراع النفسي الإنساني للأبطال من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، حيث يجد المشاهد نفسه في حالة من التقمّص الوجداني مع أبطاله الذين يعانون حقًّا، ويستحقون التعاطف، دون أن يوجه تعاطفك لاتجاه محدد، ستجد ما يجعلك حتمًا لا تتعاطف مع الشخصيات الفلسطينية فيه، وإن فعلت فسيكون  السبب الداعي لذلك هو كما يقول "مريد البرغوثي": بسبب نقصهم  وخطأهم هم، لا بسبب الاحتلال.


تحتاج الأعمال الدرامية ردًّا من نفس نوعها، مساويًا لها في المقدار، ومعاكسًا لها في الاتجاه. ولا يعني ذلك أن يُخالفها بشكل كامل بالضرورة، إنما ليكمل الجزء الناقص في الصورة وينصفه.

 فبالرغم من غزارة الإنتاج الدرامي عربيًا، فلا نرى من ضمنها أعمالًا تعرض رواية الطرف الآخر للحكاية، وبالتأكيد يرجع ذلك لشحٍّ في الدعم المادي وتخوّف القنوات الفضائية من عرضه لأسباب سياسية لا تخفى على أحد!. 


ولكن لا تتمحوّر المشكلة فقط في الدعم المادي المعدوم من شركات الإنتاج، إنما تتعدّى ذلك لنرى عادة المُخاطب فيها -في المحاولات القليلة الضعيفة لإنتاج دراما فلسطينية- هي الشعوب العربية، الّتي على الرغم من احتياجها الشديد في هذه الفترة لدراما تذكّرها بأصل الحكاية، إلا أننا بحاجة لدراما تطرق باب العالمية، وتُكمل للجماهير هناك الحكاية حتى لا ندور في حلقة مفرغة وكأننا كما يقول المثل: " نبيع لحمنا لأنفسنا"فنبيع حكايتنا لأنفسنا!.



Comments

Popular posts from this blog

رحلة الألف ميل قد تبدأ "بكورونا"!

تشويه المسافات

مرصد الإعلام الأردني / ملخص عن أبرز تقارير 2019