رحلة الألف ميل قد تبدأ "بكورونا"!


رحلة الألف ميل قد تبدأ  "بكورونا"!



"يأكل أحدهم خفاشًا في الصين، فيغيب أبنائي أنا عن المدرسة"، تعريف جديد للعولمة أطلقته جارتنا "أم نادر" على الرغم من أنه لا يوجد دليل قاطع بعد على أن الخفافيش هي مصدر انتشار "فايروس كوفيد 19"، ولكن على ما يبدو لأن تعرف غريمك وتلقي عليه اللوم .. أفضل بكثير من ألا تعرفه.

استطاع فايروس "كورونا" المستجد خلال بضعة أسابيع تغيير الكثير من العادات حول العالم، وقلبه رأسًا على عقب!  فتوقفت الدوامات وتعطّلت المدارس والجامعات،  ولم نعد نغني "هلا بالخميس" إذ أصبحت جميع أيامنا كالخميس نتيجة فرض حظر التجوال في الأردن منذ 21-مارس-2020 لمواجهة انتشار الفايروس. ولأن التعليم هو حجر الأساس، ولأنه لا مجال لأي تأخر أو توقف جديد في العملية التعليمية خاصة وأن هذا العام الدراسي بدأ "بإضراب للمعلمين"، كان لا بد من إيجاد حل لاستمرار العملية التعليمية. 



هل يعطّل حياتنا فايروس؟

أثبت الأردن منذ بداية انتشار فايروس "كورونا" حرصه على السيطرة عليه، والحد من انتشاره؛ من خلال اتخاذ العديد من الإجراءات الصارمة مبكرًا مقارنة بالعديد من الدول الأخرى، من ضمنها حظر التجوال. ولكن والأهم هو محاولات الدولة الحثيثة على استمرار حياة المواطنين الطبيعية وإن كان ذلك بين أربع جدران، فقال وزير التربية والتعليم "تيسير النعيمي" أن تعليق دوام المدارس لا يعني توقف العملية التعليمية، مؤكدا حرص الوزارة على ضمان حق الطلبة في التعليم. 

ففعّلت الوزارة منصة "درسك" الإلكترونية بهدف تمكين الطلبة من الصف الأول وحتى الثاني عشر من تصفح المحتوى الإلكتروني على المنصة للفصل الدراسي الثاني.كما تقدّم الوزارة دروسًا متلفزة لطلبة الثانوية العامة “التوجيهي” لجميع الدروس للفصل الدراسي الثاني من خلال القناة الرياضية الثانية للتلفزيون الأردني. 
كما أن طلاب الجامعات واصلوا عمليتهم التعليمية، بعد أن قررت وزارة التعليم العالي  "تطبيق نظام التعليم الإلكتروني، والتعلم عن بعد واستخدام جميع الوسائل المتاحة لتحقيق ذلك، والبدء بالعمل على تدريب جميع أعضاء الهيئة التدريسية على استخدام الوسائل الإلكترونية المتاحة، مع ضرورة العمل وبالسرعة الممكنة على التأكد من قدرة وجاهزية البنية التكنولوجية لكل جامعة، وتطويرها".



تعلّمٌ عن بعد.. أم بعدٌ عن التعلم؟


تقول "د. فيليبا لالي" الباحثة في علم النفس الصحي بجامعة لندن، في دراسة نشرت بالمجلة الأوروبية لعلم النفس الاجتماعي في 16 يوليو/تموز عام 2009 بأن الوقت الذي يستغرقه الشخص للانتقال من سلوك تلقائي قديم إلى آخر جديد هو 66 يوما.
أما المدة اللازمة لاكتساب عادة جديدة فتختلف بحسب سلوك الشخص وظروفه، وتتراوح بين 18 يوما إلى 254 يوما لتكوين تلك العادة.
ونتيجة للمحاولات الحثيثة للحكومة الأردنية لاحتواء الفايروس، اعتبرت القرارات المتسارعة المتعلقة بحظر التجوال وتوقيف الدوامات مفاجئة نوعًا ما بالنسبة للأردنيين وكردّة فعل طبيعية طَفت التخوّفات لدى الطلاب والطالبات المدرسيين والجامعيين والأهالي كذلك،  وانتشرت العديد من الآراء على مواقع التواصل الاجتماعي، منها الرافض والمستهزئ والمتخوّف قبل حتى أن تبدأ عملية التعلم عن بعد: "ماذا عن الانترنت؟.. ليس متوفرًا لدى الجميع!.. وما مصير المواد العملية؟.. امتحاناتنا؟.. طلاب التوجيهي؟.. خريجين هالفصل؟".

تعليقات لعدد من الطلبة في مختلف الجامعات الأردنية.

وصاحب بدء العملية التعليمية عن بعد تفاعل ونشاط كبير وتواصل مستمر بين وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي وبين المدارس والجامعات،  التي بدورها حرصت على التواصل مع الطلاب والطالبات ومحاولة تبسيط العملية لهم وشرح كيفية استخدام منصات التعلم عن بعد المتاحة، حرصا على أن تستمر العملية التعليمية على أكمل وجه ممكن. 
كما كشفت لنا هذه الأزمة عن العديد من المشكلات التعليمية،  مثل أن وجود الشيء لا يعني بالضرورة الاستفادة منه، حيث ظهر بشكل جلي بأن العديد من هذه المنصات التعليمية لم تكن مفعّلة كما يجب قبل الأزمة،  بل وأنها غير مهيأة لتؤدي دورها من استقبال أعداد كبيرة من الطلاب دفعة واحدة، أو عرض الامتحانات القصيرة بشكل طبيعي دون حروف مقلوبة أو خلل في وقت الامتحان أو عدم دقة في رصد الدرجات، بالشكل المطلوب. 
وبأن نموذج التعليم الذي يقرأ من خلاله المعلم أو الدكتور "السلايدات" أو "الصفحات" بصوته لطلابه لا يقدّم للطالب قيمة مضافة، وبإمكان الطلبة أن يتموا هذه العملية بأنفسهم دون الحاجة "لطرق مشوار" جغرافي أو حتى الكتروني! 
ثم إن نجحنا في عملية التعليم عن بعد.. ماذا عن التربية؟  تساؤل طرحه العديد من الأهالي والتربويين،  نتيجة معرفتهم بأن أبعاد المدرسة المكانية والاعتبارية وتأثيراتها على أبناءهم وبناتهم تتجاوز "فهم الدرس" أو "تجاوز الامتحان"، وتصل إلى تشكيل شخصياتهم وخبراتهم الاجتماعية. 


  📌وبالنظر إلى لغة الأرقام، فإن الطفل الأردني يقضي ما يصل إلى ألف ساعة سنويا في المدرسة، أي أكثر من 83 ساعة شهريًا، وهذا الرقم الكبير يعني بالضرورة تأثيرًا كبيرًا، يشمل تكوين الصداقات، الانضباط،  وكيفية التعامل مع المتنمرين، مما يؤدي لصقل شخصيته وتنمية مهاراته.

رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة! 

 

مع النظر لكل المشكلات -الطبيعية- التي تواجه عملية التعليم الإلكتروني عن بعد، إلا أننا يمكن أن نقول "ربّ ضارة نافعة"، إذ أن هذه الأزمة جعلتنا نواجه العديد من التجارب الجديدة التي تطلبّت تضحيات من جميع الأطراف، وبذل العديد من الجهود المشتركة لتحقيق أفضل النتائج، وكان الأردن نموذجًا يحتذى به من ناحية سرعة التصرف ومحاولة احتواء وإدارة الأزمة. فرأينا تحولًا سريعة للبدائل المتاحة، وتقديم الحلول الأنسب في ظل هذه الظروف لجميع الأطراف. 

فالعملية التعليمية ما زالت مستمرة، والطلاب يتابعون دروسهم وامتحاناتهم. والمعلمون والمعلمات خاضوا تجربة قد تكون جديدة على بعضهم إلا أن الفرص التدريبية لتطوير أنفسهم أُتيحت لهم. وطلاب الثانوية العامة حسب ما قال الدكتور تيسير النعيمي، وزير التربية والتعليم، سيقدمون امتحان الثانوية العامة بشكل غير معهود فستكون الاختبارات على شكل أوراق امتحانيّة لمباحث المجالات المشتركة في ورقة امتحانيّة واحدة، مع مراعاة مدّة الامتحان.  وخريجوا الجامعات لن يتأخروا عن تخريجهم، وطلاب الدراسات العليا ناقشوا رسائلهم عن بعد. 
وهذه الجهود وغيرها مؤشرات إيجابية تتيح لنا فرصة رصد نقاط الضعف وتعزيز نقاط القوّة في العملية التعليمية، للعمل على تعديلها أو تعزيزها. فرحلة الألف ميل تبدأ دائمًا بخطوة!. 

Comments

Popular posts from this blog

تشويه المسافات

مرصد الإعلام الأردني / ملخص عن أبرز تقارير 2019